ماذا بعد الخمسين(الطنطاوي)
5/1/2011 8:48:14 AM
fiogf49gjkf0d
من ايميلي
اعجبنب مقال كتبه الطنطاوي
يوقظ في النفس غفلتها
جميل ان نرى ذكريات عمرنا قد تلاشت وقضت لتحل محلها ذكريات عمر اخر
ان ماكتبه الشيخ الطنطاوي يصحح لنا طريقة حساب اعمارنا
بدلا من ان نقيم احتفال كل عام ذكرى لمولدنا
يجب ان نقيم حفل عزاء لعمر مضى منه عام وتلاشى لانعرف كم سيبقى من العمر.عام ام شهر ام يوم
........................................
بعد الخمسين
الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله
نظرت في التقويم فوجدت أني أستكمل اليوم (23جمادى الأولى 1379هـ) اثنتين وخمسين سنة قمرية، فوقفت ساعة أنظر فيها في يومي وأمسي، أنظر من أمام لأرى ما هي نهاية المطاف، وأنظر من وراء لأرى ماذا أفدت من هذا المسير.
وقفت كما يقف التاجر في آخر السنة ليجرد دفاتره ويحرر حسابه، وينظر ماذا ربح وماذا خسر. وقفت كما تقف القافلة التي جُنّ أهلوها وأخذهم السُّعَار، فانطلقوا يركضون لا يعرفون من أين جاؤوا ولا إلى أين يذهبون، ولا يهدؤون إلاّ إذا هدّهم التعب فسقطوا نائمين كالقتلى!
وكذلك نحن إذ نعدو على طريق الحياة؛ نستبق كالمجانين ولكن لا ندري علامَ نتسابق، نعمل أبداً من اللحظة التي نفتح فيها عيوننا في الصباح إلى أن يغلقها النعاس في المساء، نعمل كل شيء إلا أن نفكر في أنفسنا أو ننظر من أين جئنا وإلى أين المصير!
وجردت دفاتري، أرى ماذا طلبت وماذا أُعطيت.
* * *
طلبت المجد الأدبي وسعيت له سعيه، وأذهبت في المطالعة حِدّة بصري وملأت بها ساعات عمري، وصرّمت الليالي الطِّوال أقرأ وأطالع، حتى لقد قرأت وأنا طالب كتباً من أدباء اليوم مَن لم يفتحها مرة لينظر فيها! وما كان لي أستاذ يبصرني طريقي ويأخذ بيدي، وما كان من أساتذتي مَن هو صاحب أسلوب في الكتابة يأخذني باتّباع أسلوبه، ولا كان فيهم مَن له قدم في الخطابة وطريقة في الإلقاء يسلكني مسلكه ويذهب بي مذهبه( ) . وما يسميه القراء أسلوبي في الكتابة ويدعوه المستمعون طريقتي في الإلقاء شيء مَنَّ الله به عليّ لا أعرفه لنفسي، لا أعرف إلاّ أني أكتب حين أكتب وأتكلم حين أتكلم منطلقاً على سجيتي وطبعي، لا أتعمد في الكتابة إثبات كلمة دون كلمة ولا سلوك طريق دون طريق، ولا أتكلف في الإلقاء رنّةً في صوتي ولا تصنّعاً في مخارج حروفي.
... وكنت أرجو أن أكون خطيباً يهز المنابر وكاتباً تمشي بآثاره البرد( ) ، وكنت أحسب ذلك غاية المنى وأقصى المطالب، فلما نلته زهدت فيه وذهبت مني حلاوته، ولم أعد أجد فيه ما يُشتهى ويُتمنّى.
وما المجد الأدبي؟ أهو أن يذكرك الناس في كل مكان وأن يتسابقوا إلى قراءة ما تكتب وسماع ما تذيع، وتتوارد عليك كتب الإعجاب وتقام لك حفلات التكريم؟ لقد رأيت ذلك كله، فهل تحبون أن أقول لكم ماذا رأيت فيه؟ رأيت سراباً... سراب خادع، قبض الريح!